إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
90636 مشاهدة
الله تعالى هو الخالق البارئ المصور

يقول الناظم:
وأنه الـرب الجـلـيــل الأكـــبر
الخالق البـــارئ والـمـصـــور
يعني: نعترف بأنه هو الرب؛ الرب: هو المربي، والرب: هو المالك؛ دليل التربية قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا فالرب تعالى رب الخلق هو الذي رباهم بنعمه، وهو الذي أنشأهم وهو الذي خولهم وأعطاهم، فهو المربي لأجسادهم، والمربي لأبدانهم، ولعقولهم، ولذواتهم، والمربي لجميع المخلوقات.
كذلك أيضًا: هو الرب بمعني المالك، رب الدار يعني: مالك الدار، يقول عبد المطلب لأبرهة أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه. رب الإبل يعني: مالكها، فالله تعالى مالك الملك، فهو رب العالمين يعني: مالكهم، والمتصرف فيهم، وله الأسماء الحسنى فمن أسمائه: الجليل الذي له الجلال وله العظمة، ومن أسمائه: الكبير؛ ولهذا يقال: الله أكبر يعني: أكبر من كل شيء، فهو الكبير المتعالي، وهو أكبر من جميع المخلوقات، ولا نسبة للمخلوقات إلى الخالق.
وهو الخالق البارئ المصور، من أسمائه التي ذكرها في آخر سورة الحشر: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ المنفرد بالخلق وحده، وبالإيجاد والموجودات، وكذلك الباري الذي برأ هذه المخلوقات، برأ النسمة، وخلق العالم كله؛ خلق الأرواح، وخلق الأجساد؛ وذلك دليل على كمال قدرته، فخلق الملائكة مع أنا لا نراهم، وخلق الشياطين، وخلق الجن، وجعلهم أرواحا خفيفة لا تبصرهم أعيننا؛ قال تعالى: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ؛ فهو الخالق البارئ المصور الذي خلق الصورة، وقدر وجودها:
باري البرايـا منشـئ الخـلائــق
مبدعهم بــلا مثـــال ســابــق
هكذا باري البرايا، البرايا: هي الخلق في قوله تعالى: أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ .
(البرية) يعني: الخليقة فهو باري البرايا، البرايا هم الموجودون والخلق. (منشئ الخلائق) بمعنى ذلك: أنشأهم؛ قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ منشئكم يعني: خالقكم، مبدعهم يعني: مبتدئ خلقهم بلا مثال سابق، يعني: أنه هو الذي ابتدأ خلقهم، وابتدع إيجادهم بجميع أنواعهم: الصغير والكبير، البعوضة والذرة، والحيوان الكبير كالفيل وما أشبهه من الحيوانات:
......................................
مبدعهم بــلا مثـــال سـابــق
ابتدأ خلقهم على غير مثال سبق، ما هناك مثال سابق حتى ينشئ عليه؛ فدل ذلك على أنه هو المنفرد بهذه المخلوقات، وأن الخلق لا يقدرون على أصغر مخلوقاته؛ قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ؛ لو اجتمعوا كلهم على أن يخلقوا ذرة، يعني: ينفخوا فيها الروح، ويركبوا أيديها وأرجلها وسمعها وبصرها وأمعاءها التي في داخلها ما قدروا، مع أنها من أصغر المخلوقات، لو اجتمعوا على أن يخلقوا ذبابا، ويركبوا فيه أجنحته، ويركبوا فيه أعضاءه، ويجعلوا له جوفا وأمعاء وفما ودبرا، ما قدروا على ذلك. فهذا خلق الله وحده.
أما الصناعات ونحوها فإنهم يقدرون بما أقدرهم الله تعالى على أن يصنعوا هذه الصناعات وما أشبهها، ولكن لا يقدرون على أن يخلقوا شيئا من الحيوانات ولو كان صغيرا.